مبشّرون مسيحيون ينشطون في مخيّمات اللجوء السورية
حين بادر الشاب في الدخول الى خيمتها، استقبلته فاطمة بابتسامة هادئة. ناولته فنجان شاي ساخن، وهي تعرف أنه أعطى طفلها محمد لوحاً من الشوكولا وكتيّباً صغيراً عند مدخل الخيمة. تأكدت لاحقاً أنه كتاب ديني.
كان الطقس شبه بارد، ولا يزال فصل الربيع يمزج رائحة التراب بشتوة صباحية، لم تمنع أولاد المخيّم من اللعب خارجاً حول برك المياه.
أدخل الشاب كرتونة تحوي طعاماً وألبسة. أخبرها أنه من جمعية اجتماعية تساعد اللاجئين. فوجئت حين أعطاها كتاباً أسود. قال لها إنه كتاب يعرّفها إلى المسيحية. لم تخبر فاطمة زوجها. وبعد أن ترك الشاب الخيمة وهي تنظر الى الألبسة الجديدة وعلب الطعام، قررت أن تسأل جارتها ابتسام في خيمة مجاورة. قالت لها ابتسام أن الأمر حصل معها أيضاً. وأن الشاب نفسه عرض عليها المال إن هي قررت أن تعتنق الدين المسيحي.
الحادثة التي ترويها فاطمة مع بضع نسوة في مخيم الزعتري هي نفسها. يخبرن أن الأمر تحول إلى بلبلة سرعان ما طالب الأمن الأردني السكوت عنها، وعدم التصريح بها لخطورة ما يجري، إذ يُعدّ التبشير عملاً غير قانوني في الاردن.
تروي فاطمة، وهي لاجئة إلى مخيّم الزعتري، أن مجموعة شبّان يتحدثون العربية بلهجة لبنانية وبعضهم بلهجة مصرية وبعضهم أردنيون، زاروا المخيم منذ شهر. زاروهم بشكل مستمر ثم أخبروهم أن الزيارة تهدف إلى مساعدتهم. بعضهم عرض مالاً على كل عائلة، على أن يتمّ تزوديهم بالمال شهرياً وبشكل دائم، وبعضهم وعد بأن يعتني بأولادهم ويدفع تكاليف دراستهم في معاهد خاصة تابعة لجمعيات في الأردن، إذا انضموا إلى "حلقات التبشير". تضيف أن بعضهم زودوا العائلات بعناوين في العاصمة الأردنية، عمان، لمكاتب يمكن أن يلجأوا إليها للخدمات وتدريس الأولاد، حيث يمكن أن يستفيدوا من حلقات دينية وتعليمية وتثقيفية عن "المسيحية".
يقول ناشط سوري يعمل على إغاثة اللاجئين في مخيم الزعتري، إن الجمعيات التي جاءت بهدف التبشير جاءت تحت غطاء العمل الإنساني، وبعضها جاء بصفة ديبلوماسية، إذ التقى بعض الأفراد الذين يحملون تأشيرات وجوازات ديبلوماسية، من النروج والولايات المتحدة الأمريكية وعلم في ما بعد من بعض اللاجئين، أن نشاطهم تضمّن دعوات "تبشيرية" للديانة المسيحية.
من جهة أخرى، يشير شاب موظف في الخارجية الأردنية، رفض كشف هويته، إلى أن "الأردن ضبط عمل أكثر من مجموعة تابعة لجمعيات تبشيرية آتية من أمريكا والنروج وألمانيا، علماً أن بعض هذه الجمعيات عمل في إفريقيا الوسطى وفي السودان سابقاً". يتابع الشاب أن "ناشطين سوريين استطاعوا الاستدلال إلى نشاط هذه الهيئات وأخبروا السلطات الاردنية التي عملت على التحقق من مصدر هؤلاء".
تؤكّد فاطمة أن "بعض الناس قبلوا أن يكونوا مسيحيين، لكن بسرية مطلقة"، مضيفة: "أن بعضهم لا يحب أن يتكلم عن الموضوع ويتكتم عليه. لكننا نلاحظ أن مندوبين لهذه الجمعيات يزورونهم بين وقت وآخر ويحضرون لهم معونات. وبدت عليهم مظاهر الراحة، إذ صار بعضهم يمتلك تلفزيوناً ودشاً وعدداً من الآلات الإلكترونية، وبعضهم صار لديه هواتف نقالة حديثة. لكن عدد هذه العائلات لا يتجاوز السبعة".
لا ينفي عبدالله (40 عاماً) أن صبيّاً من أقربائه من محافظة إدلب، رحل مع 19 طفلاً في المخيم إلى لبنان. يقول إنه سمع أن عائلة الطفل أخذت 3 آلاف دولار، وأن جمعية تابعة لإرسالية لبنانية تريد تعليمه هناك. يشير الشاب الذي يعمل في الخارجية الأردنية، من جهته، أنه على علم بهذه الحادثة، وأن "الأولاد نقلوا إلى كنيسة مارونية في جبل لبنان". فيما تقول سيدة في الزعتري أن والدة الطفل، التي رفضت ذهاب ابنها، بكت عليه طويلاً يومذاك، وضربها زوجها. قالت الأم للسيدة أن الطفل سيعمل خادماً في كنيسة لبنانية.
في حادثة أخرى، يقول رجل ثلاثيني لجأ إلى الأردن من محافظة حماه ويعيش في حي الضباط، أحد أحياء محافظة المفرق الاردنية، إنه تعرض لمثل هذا النوع من التبشير، مؤكّداً أنه تلقّى حصصاً غذائية من إحدى الجمعيات الخيرية في المحافظة مرفقة بنسخ من الإنجيل، لكنّه رفض ذلك، لأنه لن يتخلى عن دين الإسلام "الأزمة لن تدفعنا لنكون على دين آخر. نحن خلقنا مسلمين وسنموت على دين الإسلام".
في محافظة المفرق، أكد رئيس إحدى الجمعيات الخيرية العاملة على خدمة وإغاثة اللاجئين السوريين في اتصال هاتفي، أن "عائلات سورية تتلقى حصصاً غذائية من إحدى الجمعيات بالإضافة إلى كتب ونسخ من الإنجيل".
رسمياً، لا تزال وزارة التنمية الاجتماعية في الأردن تحقق في قضية "التبشير". وقد أوعز وزير التنمية الاجتماعية للأجهزة الأمنية المكلفة حماية مخيم الزعتري، بجمع معلومات عن القضية. يجدر بالذكر أن الحكومة الأردنية كانت قد رحّلت في عام 2008 عدداً من الجمعيات "التبشيرية" والفئات المستقلة، التي كانت تجوب مدن المملكة وقراها النائية وتعمل بشكل دؤوب على التبشير للمسيحية.